الحب: بين السؤال والاجابة
إنه لا يخفي علينا أن أبشع الجرائم
والخطايا التي ارتكبها الإنسان في حق الله ونفسه والآخرين ليست تلك التي وقعت تحت الأسم
الظاهر للسُلطة أو الكراهية أو الأنانيّة أو الزنا والنجاسة أو حتّي الإرهاب، بل
تلك التي وقعت تحت إسم (الحُب) و (المحبات). حيث أصبحت تلك المسميّات الإلهيه لا
تمت بأي نوع من أنواع الصلة للإله الحقيقي. بل أصبحت تلك مسميّات لأوثان وآلهةً
زائفين عبدناهم تارةً بجهل وتارة بغباء عمديْ وربما بطرق أخري لم أكتشفها بعد. ألم
يكن هذا ما فعله أفلاطون بمبادئه العمياء والإغريق بعبادتهم لأفروديت وكيوبيد؟
أليس من السهل علي الشرير أن يخدعنا ويجرفنا إلي أبعد ما يستطيع عن المحبة الحق
(الله) بأسم محبّات زائفة (شيطانية)؟ ما أيسر أن نؤلّه -بدون وعي- المحبّات
الطبيعية التي وضعها الله لنا ولخدمتنا ونطيعها عنه هو نفسه! قال سي. إس. لويس "إن لم يضع الله يده بالكامل ويسود علي المشاعر النبيلة كالوطنية
والأمومة والعاطفة والغرام فإنها تفسد تلقائياً وتفسدنا" وبالطبع لن يضع الله
يده علي شئ لم نطلب أن يضع يده عليه بناءً علي حرية الإرادة التي وهبنا أيّاها. وما
أكثر ما أذي الأباء والوالدات والمُربّين أبناءهم بحجة أنهم "يحبونهم".
وما أفجع ما تختزل أغلبية الأفلام
والروايات والأغاني (خاصة الغرامية) الساذجة المحبّات الطبيعية في أتفه وأصغر ما يحتوينه
ويكونهن, بجهل وغباء سافرين. ثم يأخذون يؤلهونهم شيئاً فشيئاً ويُنصّبونهم
مكان الله علي حياتنا. ومن هنا يظهر مبدأ "دس السم في العسل" الذي يفعله
الشرير معنا. ونحن ليس منّا الّا أن نفتح له أذرعنا، مستعدين تماماً أن نقسم بحياتنا علي
أنّ ذلك "أطيب عسل" رأيناه قط وهو في الحقيقة ما وصفه لويس بسم "البُغض
في الحب". ومن هنا أيضاً نري بوضوح التناقض الجليْ في رغبتنا الجامحة في تلك
المحبّات الطبيعية وبين فشلها وموتها الحتمي. هذة هي الحالة الأولي, حالة الفشل
والموت. والحالة الثانية هي التي يظهر فيها سطحيا أننا "نبغض" أحبائنا, ولا
"نحب" بالطريقة الكافية أو السليمة, لكننا في الحقيقة نكون محبّين "باخلاص"
ونكون أكثر ما يكون اهتماما بأحبائنا. في هذه الحالة نحن "نبدي ممانعة"
لأحبائنا اذا تكبّرت محبّاتنا لهم وبدأت تهيمن وتسود كاله, تلك الحالة التي فيها تطلب
منّا محباتنا أن نعني بها أكثر من عنايتنا لله ويحرّضنا فيها الطرف (شخصا كان أم
شيئا) الّا نذعن لله ومشيئته وأن نذعن لهم أكثر. أوضح هذا لويس بقوله أنه
"عندما تتحول هذه المحبّات الي الهه تتحول الي شياطين". فإن كُنّا بصدق
نبتغي النجاح في كوننا أصدقاء مخلصين أو أزواج وزوجات محبّين أمناء وأباء وأمّهات
جيدين ومواطنين ملتزمين..إلخ. يجب علينا أولا أن نبتغي ونحيا لنكون أُناس جيدين.
وكيف نصبح جيدين ونحن لا تربطنا بالمحبة ذاته (الله) علاقة حيّة حقيقية فاعلة
ومُغيْرة! فعندما تسود المحبّة الألهية أي المحبّة ذاته (الله) علينا تُرجع لنا
إنسانيتنا فنبدأ نحيا لنكون بدلاً من أن نحيا لنشعر، نبدأ نحيا لنُثمر ونخدم بدلاً
من أن نشحذ ونستهلك الآخرين. وعندما يسود علي تلك المحبّات الطبيعية يجعلها تُزهِر
وتنمو حيث تصبح علي حد قول لويس "قُرباً بالمشابهه" أي تصبح نسخة مصغرة
وشبيهه للمحبة الإلهية. ولا يكون لقرب المشابهه معني عندما لا يُبني علي
"قُرب إقتراب" أي تلك العلاقة المتزايدة الإقتراب والحميمية بين الله
وبيننا.
تعليقات
إرسال تعليق