العمل والإحتياجات
![]() |
عندما نقرأ ما كتبه بولس "من لا يعمل لا يأكل"
نظن أنه ضمنياً يقول أن هدف العمل الأساسي هو الأكل (تسديد الاحتياجات المادية) ولكن هل حقاً هذا ما قصده النص؟
يوجه الرسول بولس رسالته هنا الي من تركوا أشغالهم وأعمالهم بحجة أن مجئ الرّب قريب، وأنهم في اثر ذلك أصبحوا فضوليّون، وعالة علي من حولهم. وفي ختام رسالته الموجهه لهؤلاء الأشخاص يخبرهم أنهم ان كانوا لا يعملون، فلا يأكلون، أي يوصي بعدم اعالة الكنيسة مثل هؤلاء.
هناك فرق وتمييز بين العمل والوظيفة، ونحن نشوّه العمل ونسئ اليه اذا قلصناه الي الوظيفة والأكل.
إذا ما هو العمل؟
إذا راجعنا القرينة الكتابية عن العمل، سنري بوضوح أن أول ذكر للعمل في سفر التكوين يخبرنا بأمرين:
أولاً أن الله إلهٌ عامل وهو قد خلق الإنسان ذكراً وأنثي علي صورته كائن عامل. وأن العمل في جنة عدن لم يكن شيئاً متعباً أو محبطاً كما بعد السقوط. ثانياً، أن أدم وحواء لم يعملا ليأكلا، بل لأنهم خلقوا عاملين، فعملهم عبّرَ عن إنسانيتهم، وأن الله عندما خلقهم، دعاهم إلي علاقة، وشراكة، وأن الشراكة تضمنت تعيين الله الإنسان وكيلاً له في الأرض (ليعملها ويتسلط عليها وليعطي هوية واسماء للخليقة الله التي هي الحيوانات وأن يرعاهم).
ولكننا نرى في عواقب السقوط، لعنة أتت علي الأرض (التي هي منطقة عمل أدم وحواء) بسبب أدم، وأن هذه اللعنة جاءت أيضاً الي علاقته بالعمل فأصبح (بعرق جبينه يأكل خبزاً)
الأن رجوعاً إلي بولس، ستعتقد الأن أن هذا أكبر دليل أن ما قاله بولس تضمن أننا نعمل لنأكل، أليس كذلك؟
ولكن إذا قلنا هذا سنخطئ في ثلاثة أشياء علي الأقل:
الأول:
أننا نحُط من قيمة عمل الإنسان المخلوق علي صورة خالقه العامل، ونضعه في صندوق مكتوب عليه "طعام" أو بالمعنى المعاصر(الراتب والمال)
الثاني:
أننا بهذا نتجاهل ما قاله المسيح في متي ٦ عن عدم إعالة همّ التفكير في ما نحتاج أن نأكله او نلبسه:
”«لذلكَ أقولُ لكُمْ: لا تهتَمّوا لحَياتِكُمْ بما تأكُلونَ وبما تشرَبونَ، ولا لأجسادِكُمْ بما تلبَسونَ. أليستِ الحياةُ أفضَلَ مِنَ الطَّعامِ، والجَسَدُ أفضَلَ مِنَ اللِّباسِ؟“
ونتجاهل دعوته أن نتأمل وننظر للطيور التي يعتني بها دون أن تزرع وتحصد وتجمع إلي مخازن، ومع ذلك أبونا السماوي يقوتها! ألسنا نحن بالحري أفضل منها؟
الثالث:
عندما قال يوسف ومريم ليسوع وهو صبي عندما لم يرجع معهم من العيد "يا بُني كنا نطلبك معذبين"
قال لهم "ألستما تعلمان أنني ينبغي أن أكون فيما لأبي"
أتتذكر مبدأ الشراكة؟ يأتي المسيح للعالم ومن أهم أهدافه أن يسترد العلاقة والشراكة بينه وبين الإنسان الذي رفضه في السقوط وقرر أن يستقل عنه، بل ويعمل لنفسه فظهر ذلك جلياً في قصة بناء برج بابل (تكوين ١١)
يأتي المسيح ويعمل كنجار لحوالي ٣٠ سنة؟ وهنا أسأل هل عمل يسوع كنجار ليأكُل فقط؟
تخبرنا الأناجيل عن معجزات يسوع الذي عمل كنجار لمدة ٣٠ عاماً وهو يطعم الألاف من الجموع، وعن غضبه من تلاميذه عندما فكروا في نفسهم في السفينة أنهم (لم يحضروا خبزاً)
اثر لقائه بالسامرية قال المسيح لتلاميذه عندما أحضروا له الطعام ليأكل "طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله" يوحنا 34:4
فالإجابه هي لا، لم يعمل المسيح كنجار ليأكل فقط، ولكنه هو بطبيعته الله الخالق العامل، أتتذكر عندما قال "أبي يعمل حتي الأن وأنا أعمل"
تكتب دوروثي سايرز في رسالتها إلي الكنيسة بعنوان "لماذا العمل" إبّان الحرب العالمية الثانية:
"العمل ليس في الأساس، ما يعمله المرء ليعيش، بل ما يعيش المرء ليعمله"
"فالعمل ليس هو الشئ الضروري الممل الذي ينبغي علي المرء أن يعمله متأففاً من اجل هدف الحصول علي المال، بل هو طريقة الحياة التي فيها تجد طبيعة الإنسان مجالاً لتتواجد وتفرح، وبهذا تشبع بتمجيد الله. العمل هو التعبير الكامل لقدرات العامل، الشئ الذي الذي يجد فيه الشبع الروحي والعقلي والمادي، الوسط الذي من خلاله يُقدّم نفسه لله"
يخبرنا أيضاً الكتاب المقدس في رؤيا يوحنا أن عملنا أبدي وأنه لا ينتهي هنا بل يستمر اللى السموات الجديدة والأرض الجديدة
"ولا تكون لعنة فيما بعد. وعرش الله والخروف يكون فيها وعبيده يخدمونه"
لهذا يا أحبائي يقول يسوع أنه "ينبغي أن يُصلّى كل حين ولا يُمَل" لأن عملنا هو عبادة لله وشركة معه.
إذاً فلنطرح عنّا ثقافة العصر والعالم عن المال ولنتبنّى فكر المسيح وثقافة ملكوته ونحيا حياته ونعمل مثله.
فليكُن أول سؤال نسأله لأنفسنا عندما نذهب لمقابله وظيفية ليس "كم من المال يمكنني أن أتربّح من هذا العمل؟"
بل لنسأل "ما قيمة هذا العمل وماذا يُمكنني أن أضيف إليه ممجداً الله"
ولا ننسى أن قلب عملنا هو أن "نطلب ملكوت الله وبرّه" هنا والأن، بمعني أن نحيا بحسب كلمته وفكره ومبادئه، في كل ما نعمله، وفي أي وظيفة نشغلها. وأنه إله غني وراعي أمين يُزيد لنا احتياجاتنا، لأنه يعلم ما نحتاج إليه قبل أن نسأله.

تعليقات
إرسال تعليق