الأيام

دخل الصبي صاحب الأحد عشر ربيعاً فأغلق عليه باب حجرته. أغلق علي صوت المذياع، علي تعداد القتلي المتزايد أغلق، علي أخبار الحرب سكّر أذنيهفتح مفكرته الصغيرة وتناول قلمه اذ جلس علي المكتب. أغمض عينيه وتنفّس ملئ رئتيه فزفر ببطء. مع أوّل كلمة خطّها ابتدأت دموعه تبلل الورق، وكأنَّ في كل دمعة كلام تحاول يداه ترجمته. ودموع اليوم تقول:
 " الأيام أبواب
علي كل منها حارس
وقد كتب علينا أن نخلق كل يوم
وعلي كل باب
قصة جديدة
نلهي بها الحارس
ليفتح لنا الباب
إلي باب آخر"
وقف شاب الواحدة والعشرون أمام النافذة الطّالّه علي الكوكب المعزول. تأرجحت عيناه بين السماء الملبدة بآخر غيوم الشتاء والشوارع المتروكه من المعزولين. شرد في هذه الكلمات وقال لنفسه مبتسماً "ما أشبهني بك اليوم يا زياد"
تناول هذا الآخر قلمه وبدموع جافّه وقلب آمل حرّكه:
لم تكن أبداً مجرّد كلمة، و قطعاً لم تكن أرقاماً نشطبها عن تقويماتنا. الأيام. ماذا تعني لنا؟ ماذا يحدث فيها؟ ومن ماذا تتكوّن؟
أهي مشاعر؟ أقصصٌ هي؟ أم نسخ منّا عاشت تلك القصص وأحسّت تلك المشاعر؟
هناك أيام سعيدة وأيام حزينة. أيامٌ حرّه وأخري مكتظّه. أيام تنسي وتعلق بنا منها أشياء لا تنقضي أبداً، فتزورنا تلك المنسيّه كل يوم وكل ليلة. ومع تعاقب الأيام، لا تتعاقب بالكامل، فشئ ما يحدث، شئ ما يتغيّر، نحن.
ماكنّا نحزن عليه لم يعد يبكينا وما كان يشعلنا حماسة أصبح لا يطرأ علي خواطرنا. يجرفنا الحنين لا إلي أيام، بل إلي أنفسنا، أنفسنا التي بكت وضحكت وتحمّست. ويجرفنا إلي من مسح دموعنا وتشارك معنا الضحك وسمع معنا نداء المغامرة.
يتركنا الحنين ممتلئين رقّه ولا تجد الرقّه قلوباً فارغة، بل تجد هناك الحكمة، في تزايد مستمر نسبي مع مقدار الحنين. وأيام تسخر منّا إذ ظنناها آخر الأيام. وأخري تضحك منا إذ ظنناها لن تنتهي. وأخري لم تأت بعد ولكنها تصبّرنا في بعض الأيام.
 يكفينا إدانتها وكأننا مفعول بنا منها، ألم نخلق فاعلين. فمنا من يريد مرورها ومن يريد إعادتها ومن يمضي أيامه ينتظرها وهي عزمت علي عدم المجئ. وهناك آخر، يعيش اليوم فقط ويجعله لا ينسي إذ يستمتع بكل لحظه. من يجعله محتسباً اذ يصرخ باللاتينية "Carpe diem". من ينظر للأمس فيبسم ويلمح الغد فيعود للابتسام. فبعد بسمة الإمتنان وإبتسامة الإيمان تأتي إبتسامة اليوم، إبتسامة الحياة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

دعوة صحوْ للرجال

العمل والإحتياجات

القيمة، الخزي، والحب